قراءة تشخيصية للإتفاق الإطاري بين رئيس الوزراء عبدالله حمدوك والقائد العام للقوات المسلحة عبدالفتاح البرهان

نشر بتاريخ: الأحد، 21 نوفمبر 2021 طباعة البريد الإلكتروني

بقلم هاني أبوالقاسم

 

حمدوك ربما هو السياسي الفاعل الوحيد في تاريخ السودان الذي يعي أن مهمته كسياسي هي البناء لا الهدم والإسقاط. هو ذكي بما يكفي أن يتوقع خسارة جماهيرية جراء التوقيع، لكنه مخلص بما يكفي لأن يعي أن جماهيريته لا تسوى شيئا أمام حياة مواطن واحد يفقد حياته، لذا كان حقن الدماء هو الموجب الأول لديه للتوقيع. في تقديري حمدوك بدأ المفاوضات بمطلب إزاحة العسكر والدعم السريع من المشهد ليقبل بالعودة، لكن في التفاوض، الطرف صاحب الخسارة الأكبر هو من يقدم تنازلات في السياسة الذكية، وخسارة مزيد من الأرواح، حتما أكبر من أي انتصار سياسي أو انتقام.

كما أن الوضع السياسي تأزم لدرجة المشارفة على حرب أهلية في السودان إضافة إلى احتمالية انشقاق في الجيش وملامح حرب مليشيات في المدن، في حال إندلاعها سيدفع السودانيون ثمنها باهظا جدا، ليكون السودان سوريا أو يمن جديد. فحرب أهلية في السودان إلى جانب الحرب الأهلية الدائرة في أيثوبيا بمعية الصراع المسلح في ليبيا تعني أن المنطقة ستتحول لبؤرة أو حزام صراع مسلح يزعزع أمن المنطقة والمجتمع الدولي. لذا لا شك عندي أن المجتمع الدولي وفي المقدمة الولايات المتحدة كان له دور فاعل في قبول جميع الأطراف للضغط من أجل التوقيع، فبعد سقوط أثيوبيا في براثن الحرب الأهلية، تحتاج الولايات المتحدة إلى حليف يمكن الاعتماد عليه في المنطقة لمناهضة التمدد الصيني والروسي في المنطقة، عسكريا في الحالة الروسية واقتصاديا في الحالة الصينية، لذا ضغطت الولايات المتحدة بشكل حاسم وواضح وسريع على كل من مصر والسعودية والإمارات لوقف العبث بمستقبل السودان في ما عرف ببيان اللجنة الرباعية.

نص الاتفاق في المادة 14، "بالتوقيع على هذا الإتفاق السياسي يُلغى قرار القائد العام للقوات المسلحة بإعفاء رئيس مجلس الوزراء الانتقالي."، فرغم أن ما تم حقيقةً من ناحية إجرائية هو تعيين أو إعادة تعيين لرئيس الوزراء في ظل الحكومة الإنقلابية، إلا أنه من الواضح أن حمدوك أصر على هذا النص بهذه الكيفية، ليتم عبر هذه الصياغة كسر شوكة الجيش سياسيا، فبعد محاولات عديدة لإيجاد رئيس وزراء، تم إلغاء قرار القائد العام للقوات المسلحة بإقالة حمدوك. نص "يُلغى"، هكذا مبني على المجهول، فيه مذلة لقيادة القوات المسلحة سياسيا وإعلان فشل لم يحدث من قبل، حتى وإن حاول البرهان حفظ ماء الوجه بادعاء أن قيادة الجيش كانت على تواصل دائم مع الدكتور عبدالله حمدوك. الرسالة وصلت بوضوح للجيش والدعم السريع، من الشارع السوداني ومن المجتمع الدولي، أن أي تهور لن يكون مقبولا وأن طموحات الجيش أو "حميدتي" في حكم السودان لن تتحقق.

الشهداء دفعوا حياتهم من أجل الوطن الذي يحلم به جميع السودانيون، دولة مدنية ديمقراطية عادلة يحفها السلام، الطريق الأقصر والأقل ثمنا في تقديري هو الذي اختاره حمدوك، فالثورة وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، لا ينبغي أن نقدس الوسيلة لتكون لدينا أهم من تحقيق الغاية.

الزيارات: 1207